الخميس، 6 يناير 2011

قصة سوسن


هِيَ طَبِيْبَةٌ ...
هِيَ أُمُّ ...
هِيَ إِبْنَةٌ ...
هِيَ مَجْمُوْعَةٌ من مَشَاعِرٍ وَ أَحَاسِيْسٍ ..
نَعَمْ „ „ „ مَعَ مُشَاكِلِ الْحَيَاةِ وَ الْعَمَلِ وَ الْعِيَادَةِ وَ الْزَّوْجِ وَ الْأَبْنَاءِ ... لا تَكَادُ أَنْ تَذْكُرَ أَهْلَهَا ... جِيْرَانَهَا ... وَ لا حَتَّىَ أَحْبَابَهَا.
فِيْ خِضَمِّ هَذَا الْجُهْدُ وَ الْجِهَادُ وَ الْاجْتِهَادُ ... وَ فِيْ آَخِرِ سَاعَةٍ فِيْ الْعِيَادَةِ .. وَ آَخِرُ سَاعَةٍ مِّنَ الْأسْبُوعِ ... وُضَعَتْ رَأْسِهَا عَلَىَ الْطَّاوِلَةِ تُحَاوْلُ أَنْ تُعِيْدُ تَرْتِيْبَ أَولْوِيَاتِهَا الْحَيَاتِيّةِ بَيْنَ مُخْتَلَفِ مُتَطَلِبَاتِهَا .... وَ تُوَازِنُهَا؛
وَ لَكِنْ هَلْ سَتَكْفِي نِهَايَةَ الْأُسْبُوْعِ لِتَنْفِيْذِ كُلِّ مَا يَدُوْرُ فِيْ خَلَدِهَا مِنْ هُمُوْمِ.
وَ فِيْ هَذِهِ الْسَّاعَةِ أَلِأَخِيْرَةِ دَخَلَ عَلَيْهَا رَجُلٌ ...
رَجُلٌ فِيْ عُمْرِ الثَلاثِينِّيَاتِ .. كَبِيْرٌ , عَاقِلٌ ,, مُنْضَبِطٌ.
تَصْحَبُهُ ،، أُمُّهُ ،، فَهُوَ يَتَقَدَّمَهَا ،، وَ يَفْسَحُ لَهَا الْطَّرِيْقَ ،، يَحْتَرِمُهَا،، وَ يُقَدِّرُهَا ،، يُمْسِكُ يَدَهَا بِحَنَانٍ زَائِدٍ ,, يُصْلِحُ عَبَاءَتِهَا كُلَّمَا سَقَطَتْ مِنْ عَلَىَ رَأْسِهَا „„ وَ يَحْمِلُ بِيَدِهِ زُجَاجَةَ مَاءٍ لَهَا ،،، وَ بَعْضَ الْمَأْكُوْلَاتِ.
الْوَضْعُ طَبِيْعِيٌّ فَكُلُّ مِنَّا يَتَمَنَّىْ خِدْمَةَ وَالِدَتِهِ بِهَذَا وَ أَكْثَرْ مِنْ هَذَا !!.
بَدَأَتْ سَوْسَنٍّ ،،، تَتَفَحَّصُ الْمَرِيضَةَ ،، وَ تَطْرَحُ عَلَيْهَا الْأَسْئِلَةَ التَشْخِيصِيّةَ ،، لِتُحَدِّدَ مُعَانَاتِهَا ،،
ففي َكُلِّ سُؤَالٍ يَتَدَخَّلُ الإِبْنُ لِلْإِجَابَةِ عَنْ أُمِّهِ ،، وَ الْأُمُّ لَمْ تَكُنْ إِجَابَاتِهَا مُتَّزِنَةً ،،، بَلْ كَانَتْ عَجِيْبَةً وَ غَرِيْبَةً.
فَسَأَلْتْ سَوْسَنُ : مَا لأُمكِ لَا تَجِيِبْ بِشَكْلٍ سَلَيْمٍ.
قَالَ الإِبْنُ : إِنْ أُمِّيَّ مُتَخَلِّفَةً عَقْلِيَّاً مُنْذُ وِلَادَتِهَا،، فَكُلُّ حَيَاتِهَا وَ هِيَ عَلَىَ هَذَا الْحَالِ !!.
فَمَنْ بَابُ الْفُضُولِ (طَبْعَاً)! سَأَلْتْ الْطَّبِيْبَةُ : فَمَنْ يَرْعَاهَا ؟
قَالَ الْإِبْنُ : أَنَا.
قَالَتْ : وَ الْنِّعْم، بَسْ أَقْصِدُ مَنْ يَرْعَاهَا وَ يَهْتَمُّ بِمَلَابِسِهَا وَ خِدْمَتِهَا وَ نَظَافَتِهَا.
قَالَ : أَنَا مِنَ يَدْخِلُهَا دَوْرَاتِ الْمِيَاه ،، أُحْضِرُ لَهَا مَلَابِسِهَا ،، أُرَتِّبُ سَرِيْرِهَا ،، أَشْتَرِيَ حَاجِيَاتِهَا ،، أَمْشِّيْهَا ،، وَ أُحَقِّقُ طَلَبَاتِهَا.
نَظَرَتْ الَطْيِّيبَةُ نَظْرَةَ إِعْجَابٍ،، وَ تَعَجَّبْتْ مِنْ كُلِّ هَذَا ،، وَ تَنَحْنَحْتُ ثُمَّ قَالَتْ : لِمَاذَا لَا تَحْضُرُ لَهَا خَادِمَةٌ تَقُوْمُ بِهَذَا الْدَوْرِ عَلَىَ أَكْمَلِ وَجْهَهُ ! !.
قَالَ الْرَّجُلُ : أُمِّيَّ الَّتِيْ تَرَيْنَ ،، مِسْكِيْنَةٌ وَ مُعَاقَةٌ ،، فَلَا تَسْتَطِيْعُ أَنْ تُعَبِّرَ عَنْ مَشَاعِرْهَا وَ أَحَاسِيْسِهَا ،، قَوْلِيْ إِنَّ شِئْتِ كَالْطِّفْلِ ،، فَأَخَافُ أَنْ تُؤْذِيْهَا الخَادِمَةُ،، وَ هِيَ لَا تَسْتَطِيْعُ أَنْ تُعَبِّرَ عَنْ مَشَاعِرْهَا..
قَالَتْ الْطَّبِيْبَةُ بِدَهْشَةٍ : هَلْ أَنْتَ مُتَزَوِّجٌ !
وَ مِثْلُ هَذَا الْسُّؤَالِ ،، يَنْبُعُ دَائِمَاً مِنْ جَانِبِ غَيْرَةِ الْمَرْأةِ !!.
قَالَ الْرَّجُلُ بِكُلِّ فَخْرٍ : نَعَمْ ؛ مُتَزَوِّجٌ وَ عِنْدِيْ أَبْنَاءٌ وَ بَنَاتٍ ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ.
قَالَتْ الْطَّبِيْبَةُ : فَلِمَا لَا تَجْعَلْ زَوْجَتَكَ هِيَ مَنْ تَرْعَىْ أُمَّكَ ؟!
قَالَ : هِيَ أُمُّ عِيَالِيِ، وَ لا تَتَوَانَا فِيْ خِدْمَتِي ، وَ خِدْمَةُ أَبْنَائِيِ ، وَ عِنْدَنَا خَادِمةٌ فِيْ الْبَيْتِ، تُسَاعِدُهُا فِيْ أَعْمَالِ لِمَنْزِلِ؛؛
لَكِنَّ أَعْمَالُ وَالِدَتِي جَمِيْعَهَا أَنَا فَقَطْ مَنْ يُقَّوِمُ بِهَا؛ وَ أَكُلَ مَعَهَا وَجْبَاتِهَا ؛ وَ أُتَابِعُ صِحَّتِهَا ،، وَ اطْمَئِنَّ عَلَيْهَا فِيْ أَكْلِهَا وَ شُرْبِهَا.
هُنَا فَقَطْ ؛؛؛ بَدَأَتْ مَشَاعِرُ سَوْسَنْ تَخْتَلِجُ؛ وَ عَيْنَاهَا تَغْرَوْرِقَ بِالدموْعِ؛ وَ أَحَاسِيْسِهَا تَتَفَجَّرُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ ؛ أَمْ ؛ بِنْتْ ؛ زَوْجَةْ ....
رَفَعَتْ الْمَرْأَةُ يَدَهَا لِتُمْسِكَ بسَمَاعَةِ الْطَّبِيْبَةِ ،، كَمَا يَفْعَلُ الْأَطْفَالَ،، فَنَظَرْتْ الْطَّبِيْبَةُ إِلَىَ يَدَيْهَا وَ أظَافِرَهَا ،، فَإِذَا هِيَ نَظِيْفَةٌ جِدَّاً ،، وَ نَاعِمَةٌ نُعُوْمَةَ أيْدِيَ أَلأَطْفَالَ ...
نَظَرَتْ الْطَّبِيْبَةُ إِلَىَ الإِبْنِ : الَّذِيْ بَادَرَ بِالْإِجَابَةِ هَذِهِ الَمَرَّةِ دُوْنْ سُؤَالْ ...
وَ قَالَ : نَعَمْ ؛ أَنَا مَنْ يُنَظِّفُ أظَافرَهَا ،، فَأُمِّيَ مِسْكِيْنَةٌ كَمَا تَرَيْنَ،، فَهِيَ لا تُجِيْدُ عَمَلَ أَيُّ شَيْءٍ ..
وَ نَطَقَتْ الْمَرْأَةُ الْعَجُوزُ بِبَرَاءَةِ الأطْفَالِ .. تَسْأَلُ إِبْنَهَا: مَتَىَ تَشْتَرِيَ لِيَ بَطَاطِسَ.
رَدَّ الإِبْنُ مَعَ ابْتِسَامَتِهِ لَهَا: ابْشِرِيْ ، هَالَحَيَنْ أَوَدِّيكَ الْبِقَالَةِ؛ وَ اشْتُرِيَ لَكِ اللَلَيٌ تَبَيَّنَ.
ياااااه طَارَتْ الْأُمُّ مِنْ الْفَرَحِ وَ هِيَ تُرَدِدِ .. هَالَحَيَنْ ؛؛؛ هَالَحَيَنْ.
الْطَّبِيْبَةُ وَقَفْتْ مُنْدَهِشَةً وَ هِيَ ،، تَجْمَعُ بَيْنَ جَنْبَيْهَا .. أَعْجَبُ الْحَالاتِ, حَنّانٌ .. رَحْمَةٌ .. ابْتِسَامَةٌ .. بَرَاءَةٌ .. مَرِيْضَةٌ .. طَبِيْبَةٌ .. أَمْ .. ابْنٌ ...
كُلُّ هَذَا ،،، لا يَسْتَطِيْعُ الْوِجْهُ الْبَشَرِيَّ أَنَّ يَرْسُمُهُ فِيْ وَقْتٍ وَاحِدٍ,,,
فَمَا أَنْ أَعَادَتِ النَّظَرَ إِلَىَ الْإِبْنِ حَتَّىَ بَادَرَ يَقُوْلُ : وَ الْلَّهِ إِنِّيَ أَفْرَحُ لِفَرَحِهَا ؛؛  أَكْثَرُ مِنْ فَرْحْتْيْ لَفَرِحِ عِيَالِيِ.
صَدَّتْ الْطَّبِيْبَةُ وَجْهِهَا عَنْهُ لِتُجْمِعَ قُوَاهَا .. وَ تُضْغَطُ عَلَىَ مَشَاعِرْهَا وَ أَحَاسِيْسِهَا ... وَ تَضَعُ حَرَّتَهَا بَيْنَ أَصَابِعِهِا .... وَ فِي الرْوشتَّةُ...
سَأَلْتْ الطبيبةُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَنْظُرَ إِلَىَ الْإِبْنِ : مَا عِنْدَهَا غَيْرُكَ ؟؟؟!.
قَالَ: أَنَا وَحِيِدُهَا؛ وَ قَدْ طَلَّقَهَا وَالِدَيَّ بَعْدَ شَهْرٍ وَاحِدٍ مِنَ الْزَّوَاجِ.
قَالَتْ : رَبَّاكَ أَبُوْكِ.
قَالَ : لا، بَلْ جَدَّتِيْ ؛ مَنْ كَانَتْ تَرْعَانِي وَ تَرْعَاهَا ... حَتَّىَ تُوُفِّيَتْ وَ عُمُرِيْ عَشْرِ سَنَوَاتٍ, وَ مِنْ ذَلِكَ الْحِيْنِ .. وَ أَنَا مِنَ يَرْعَىْ أُمِّيَّ.....
قَالَتْ الْطَّبِيْبَةُ : ألْمَ تُرْبَكِ أُمِّكَ ؛ وَ لَمْ تَتْعِبْ مِنْ أَجْلِكَ .. وَ لَمْ تَمْرَضُ لِمَرَضِكَ .. وَ لَمْ تَحْزَنْ لِحُزْنِكَ وَ .. وَ.
أَوْقَفَهَا الْإِبْنُ يَقُوْلُ : قُلْتُ لَكِ وَ أَنَا عُمْرِيّ عَشْرُ سَنَوَاتٍ ،،، وَ أَنَا مِنَ يَرْعَاهَا وٍ أَشِيلُ هَمُّهُا وَ أَخَافُ عَلَيْهَا.
انْتَهَىَ الْكَشْفِ الْسَّرِيْرِيّ ... وَ بَدَأَ جِسْمُ سَوْسَن يَقْشَعِرُّ عَلَىَ غَيْرِ عَادَتِهَا ،،، مِنْ كَبْتِ مَشَاعِرَهَا.
تَوَجَّهْتُ لِلْمَكْتَبِ لِتَكْتُبَ الْدَّوَاءَ،، وَ الإِبْنُ يُسَاعِدُ أُمَّهُ لِلْنُّزُوْلِ مِنْ عَلَىَ الْسَّرِيْرِ!
وَ يَقُوْلُ : هَالَحَيَنْ نُرَوَّحْ الْبِقَالَةِ.
قَالَتْ الْأُمُّ : لا .. نُرَوَّحْ مَكَّةَ .. مَكَّةَ .. مَكَّةَ.
قَالَ الْإِبْنُ : لّيييَيْهْ.
قَالَتْ : بِرَكْبِ الطَّيَّارَةَ!!!
وُصِلَ الْإِبْنُ وَ أُمِّهِ لِطَاوِلَةِ الْطَّبِيْبَةُ.
بَادَرْتُ سَوْسَن بِالْقَوْلِ ... لِتُخْرِجَ مِنْ وَضَعَهَا الْعَاطِفِيِّ الْجَيَّاشِ : تَرَىَ أُمِّكَ مَا عَلَيْهَا حَرَجٌ ،، لَوْ لَمْ تَعْتَمِرَ ،، فَرَيِّحْ بَالِكَ ،، وَ لَا تُضَيِّقْ عَلَىَ نَفْسِكَ!.
كَانَتْ إِجَابَةٌ الْإِبْنُ جَاهِزَةً : يُمْكِنْ الْفَرْحَةُ الَّتِيْ تُفْرَحُها .. إِذَا رَاحَتْ مَعِيَ لِلْعُمْرَةِ .. أَكْثَرُ أَجْراً عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ مِنْ عُمْرَتِي بِدُوْنِهَا.
نَعَمْ .. إِجَابَةٌ حَاضِرَةٌ .. وَ قَلْبٌ وَقَّادْ ..
لا يُعْرَفُ إلاَّ الْبرِّ ... وَ الْبِرِّ بِكُلِّ مَعَانِيْهِ ...
سَأَلْتُ سَوْسَن نَفْسَهَا مُرَّةٌ أُخْرَىَ ... وَ هِيَ صَامِتَةٌ .. أُمٌّ لَمْ تُرَبِّيَ ،، لَمْ تَرْعَىْ ،، لَمْ تَتْعَبْ عَلَيْهِ ،، لَمْ تَفْرَحُ لَهُ ،، وَ مَعَ هَذَا ،، كُلُّ هَذَا الْبِرَّ.
غَرِقَتْ سَوْسَنٍّ بِدُمُوْعِهَا ؛؛
تَذَكَّرْتْ الْأُمَّ ،، الْأَوْلَادَ ،، الْبِنْتَ الْ... الّ...
فَأَيْنَ دُمُوعِكْ أَنْتَ!!!

هناك تعليقان (2):

تاج راسي يقول...

اللهم نسالك في ذؤرياتنا الهداية و الحنان امييييييييييييييييين القصة في طياتها تدهش القارئ لما قام بة الابن نتمنئ منك المزيد

غير معرف يقول...

ما شاء الله تبارك الله ما هذه الابداعات الله يوفقك و يحفظك
بس عندي سؤال هذي القصة خياليه ام واقعيه ؟؟
باســل متكي