ذِكْرِ الْقُرْآَنِ الْكَرِيْمِ الْعَدِيْدُ مِنَ الْأَلْوَانِ ضِمْنَ آَيَاتِهِ حَيْثُ لِلَّأْلَوَانِ تَأْثِيْرٌ كَبِيْرٌ عَلَىَ نَفْسِيَّةِ الْإِنْسَانَ وَطَاقَتْهُ الْعَصَبِيَّةِ وَحَتَّىْ وِقَايَتِهُ مِنْ بَعْضٍ الْأَمْرَاضِ، وَ أَوَّلُ الْأَلْوَانِ الَّتِيْ يَذْكُرُهَا الْقُرْآَنَ الْلَّوْنِ الأَصْفرَ الفَاقِعَ فِيْ سُوْرَةِ الْبَقَرَةِ حَيْثُ تُوَضِّحُ الْآَيَةَ الْكَرِيْمَةِ أَنَّ هَذَا الْلَّوْنِ يَبْعَثُ الْسُرُوْرَ فِيْ نَفْسِ الْنَّاظِرِ {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ}[1] وَفِيْ سُوْرَةِ فَاطِرٍ وَرَدَ ذِكْرُ ثَلَاثَةِ أَلْوَانَ لِلْجِبَالِ {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ}[2] وَ تَدُلُّ هَذِهِ الْآْيَةِ عَلَىَ أَنْ الْلَّوْنُ الْأَبْيَضٌ مُخْتَلِفٍ أَلْوَانُهُ لِأَنَّ الْلَّوْنَ الْأَبْيَضُ هُوَ فِعْلاً لَوْنُ مُرَكَّبُ مِنْ أَلْوَان الْطَّيْفِ الْسَّبْعَةِ وَ هِيَ (الْبَنَفْسَجّي، الْنِّيْلِيُّ، الْأَزْرَقِ، الْأَخْضَرِ، الْأَصْفَرِ،الْبُرْتُقَالِيّ، الْأَحْمَرِ) أَمَّا عِنْدَمَا ذَكَرَ الْلَّوْنَ الْأَسْوَدِ لَمْ يَقُلْ مُخْتَلِفٍ أَلْوَانُهُ بَلْ قَالَ (وَ غَرَابِيبُ سُودٌ) وَ الغَرَابِيبُ هِيَ جَمْعُ كَلِمَةُ (غِرْبِيبُ) وَ هُوَ الْلَّوْنُ الْأَسْوَدُ فَقَطْ وَ غَيْرُ مُرَكَّبُ مِنْ أَلْوَان أُخْرَىَ لِذَلِكَ يُقَالُ (أَسْوَدَ غِرْبِيبُ) .
وَ إِذَا طَبَّقْنَا أَلْوَانَ الْطَّيْفِ الْسَّبْعَةِ عَلَىَ جِسْمٍ الْإِنْسَانَ بَدْءَاً مِنْ أَعْلَىَ الْرَّأْسِ وَ حَتَّىْ نِهَايَةِ الْعَمُودِ الْفِقَرِيِّ نَجِدُ أَنَّ كُلَّ لَوْنُ لَهُ تَأْثِيْرٌ عَلَىَ الْمِنْطَقَةِ الْمُقَابِلَةِ لَهُ مِنَ الْجِسْمِ، وَ تَتُوَافِقَ مَعَ فُتُحَاتٍ الْطَّاقَةِ (الشَكِرَاتِ) الْمُوَزَّعَةِ عَلَىَ جِسْمٍ الْإِنْسَانَ.
فَاللَّوْنُ (الْبَنَفْسَجّي) وَ هُوَ أَعْلَىَ أَلْوَانَ الْطَّيْفِ يُؤَثِّرُ عَلَىَ أَعْلَىَ الْرَّأْسِ وَ الْدِمَاغِ وَ مُرَكَّزِ الْتَفْكِيْرِ فِيْ مُقَدِّمَةِ الْدِمَاغِ بِشَكْلٍ خَاصٍّ.
أَمَّا الْلَّوْنَانِ (الْنِّيْلِيُّ وَ الْأَزْرَقُ) فَيُؤَثُرَانَ عَلَىَ مِنْطَقَةِ الْوَجْهِ وَ الْعُنُقَ وَخَاصَّةً (الْغُدَّةِ الْدِرْقِيَة) قَالَ تَعَالَىْ: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا}[3].
وَ أَمَّا الْلَّوْنِ (الْأَخْضَرِ) فَيُؤْثِرُ عَلَىَ مِنْطَقَةِ الْصَّدْرِ وَ هُوَ الْلَّوْنِ الَّذِيْ يَشْرَحُ الْصَّدْرَ وَ هُوَ لَوْنُ مَفْرُوشَاتِ الْجَنَّةِ {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ}[4]، وَهُوَ لِبَاسُ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَيْضا {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا}[5]،
وَ أَمَّا الْلَّوْنِ (الْأَصْفَرِ) فَيُؤْثِرُ عَلَىَ مِنْطَقَةِ الْمَعِدَةِ وَ العْصَارَاتِ الْصَفْرَاءِ و َتُفِيْدُ الْفَوَاكِهُ وَ الْأَطْعِمَةُ ذَاتِ الْلَّوْنِ الْأَصْفَرِ فِيْ عِلاجِ هَذِهِ الْمِنْطَقَةُ.
وَ أَمَّا الْلَّوْنِ (الْبُرْتُقَالِيّ) فَيُؤْثِرُ عَلَىَ مِنْطَقَةِ الْأَمْعَاءِ وَ تُعَالِجُ الْفَوَاكِهِ ذَاتِ الْلَّوْنِ الْبُرْتُقَالِيّ تَشَنُّجَاتِ الْقُولُونَ وَ الْأَمْعَاءُ.
وَ أَمَّا الْلَّوْنِ (الْأَحْمَرِ) فَيُؤْثِرُ عَلَىَ مِنْطَقَةِ الْحَوْضِ وَ أَسْفَلَ الْعَمُودِ الْفِقَرِيِّ .
وَ طَلَبَ الْقُرْآَنَ صَرَاحَةً الْنَّظَرِ إِلَىَ أَلْوَانِ الْفَوَاكِهِ وَالْثِّمَارِ {...فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا...}[6]، وَ خَاصَّةً إِلَىَ أَلْوَانِ ثِمَارِ مُعَيَّنَةٍ مِثْلَ ثِمَارِ الْنَّخِيلِ وَ الْعِنَبِ وَ الْزَّيْتُونَ وَ الْرُّمَّانَ فَقَالَ تَعَالَىْ: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[7]، فَأَلْوَانٌ هَذِهِ الثِّمَارِ لَهَا تَأْثِيْرٌ إِيْجَابِيُّ عَلَىَ نَفْسِيَّةِ الْإِنْسَانِ وَ هُدَوَءِ أَعْصَابِهِ، إِضَافَةً لِلْفَوَائِدِ الْطَّبِّيَّةٌ الْنَاتِجَةِ عَنْ تَنَاوُلِهَا، وَالْأَلْوَانِ لَهَا تَأْثِيْرٌ أَسَاسيٍ عَلَىَ (الْطَّاقَةِ) دَاخِلَ جِسْمٌ الْإِنْسَانَ الَّذِيْ يَحْتَوِيْ خُلُاصُةُ كُلِ أَنْوَاعِ الطَّاقَاتِ الْخِيَرَةُ وَالشِّرَيْرةُ، وَلِكُلِّ كَائِنْ بَشَرِيَّ مُسْتَوَىَ مَنْ الطَّاقَاتِ يَخُصُّهُ وَحْدَهُ {...رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}[8] فَالطَاقَةً (الْزَهْرِيَّةُ) هِيَ طَاقَةَ رَوْحَانِيَّةِ مُبَارَكَةٍ وَ تَخُصُّ الْمَلَائِكَةُ وَ الْرُّسُلُ الْكِرَامِ وَ حَتَّىْ آَلِ بَيْتِهِمْ، أَمَّا الْطَّاقَةِ (الْبَنَفْسَجِيَّةٍ) فَهِيَ طَاقِةِ الْخَلْقِ وَ الْإِبْدَاعِ وَ تُؤَثِّرُ عَلَىَ مِنْطَقَةِ الْتَّفْكِيْرِ وَهِيَ سِرٌّ جَاذِبِيَّةٌ الْإِنْسَانَ، وَ يُقَوِّيهَا تَنَاوُلِ الْعَسَلَ {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[9]، وَ الْطَّاقَةُ (الْبَيْضَاءُ) هِيَ طَاقَةَ الْحَيَوِيَّةِ وَ الْحُبُّ وَ الْأَمَلُ وَ الْحَنَانْ، بَيْنَمَا الْطَّاقَةِ (الْحَمْرَاءِ) هِيَ طَاقَةَ الْغَضَبِ وَ الْعُدْوَانِ وَ إِثَارَةِ الْغَرَائِزِ وَ الْأَمْرَاضَ الْعَصَبِيَّةِ، وَ الْطَّاقَةُ (الْسَّوْدَاءِ) هِيَ طَاقَةَ الْحِقْدَ وَ الْكَرَاهِيَّةَ وَ الْمَكْرُ وَ الْخِدَاعُ وَ تُؤْثِرُ فِيْ الْوَجْهِ {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[10]، وَ الْطَّاقَةُ (الْصَفْرَاءِ) هِيَ طَاقَةَ الْعَجْزِ وَ الْرُكُودُ وَ الْعَدَمُ، وَ الْوَجْهُ الْأَصْفَرِ دَلِيْلُ وُجُوْدِ خَلَلٍ فِيْ طَاقَاتُ الْجِسْمِ.
وَ الَأَهَمْ مَا فِيْ الْأَمْرِ أَنَّ (الْغَضَبِ) هوَ مِفْتَاحُ جَمِيْعِ الطَّاقَاتِ الْسَّلْبِيَّةِ الْضَّارَّةِ لِلْجِسْمِ، لِذَلِكَ كَرَّرَ الْرَّسُوْلِ الْكَرِيْمِ صَلَّىَ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ ثَلَاثٌ مَرَّاتٍ وَصِيَّةٍ (لا تَغْضَبْ)، وَ كَظْمِ الْغَيْظَ أَثْنَاءِ الْغَضَبِ هُوَ سِرُّ الاحْتِفَاظِ بِجَمِيْعِ الطَّاقَاتِ الْإِيجَابِيَّةُ فِيْ الْجِسْمِ {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[11]، وَ (ثَقَافَةِ الْتَسَامُحِ) تُعْطِيَ الْإِنْسَانَ الْكَمَالِ فِيْ الْطَّاقَةِ الْإِيجَابِيَّةُ {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[12]، فَالْأَمَلُ كُلِّ الْأَمَلُ أَنْ تَنْتَشِرَ (ثَقَافَةِ الْتَسَامُحِ) وَ الْعَفْوْ بَيْنَ أَبْنَاءِ هَذَا الْشَعْبِ الْطَّيِّبِ الْكَرِيْمِ لِتَعُمَّ الْسَّعَادَةِ وَ الْفَرْحَةَ {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[13].
هناك تعليق واحد:
رائئئئئئئئئئئئئئئئئئئئئع سبحان اللة
إرسال تعليق